بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و المرسلين
و آله و أصحابه الطيبين
الطعام و الشراب من نعم الله سبحانه و تعالى التي لاتحصى, و شكرها
واجب, و من شكرها و استحصال البركة فيها التحلي بأداب و ضوابط تناول الطعام و
الشراب الواردة في الإسلام
التسمية أول الطعام
عن عمرَ بن أبي سلمةَ رضي الله عنه يقولَ: «كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ
لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ،
وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ....., وإذا نسي التسمية: فإنه يُسنُّ أن يقول إذا تذكَّرها: «بسم الله أوله
وآخره». لحديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذَا أكَلَ أحَدُكُم فَلْيَذْكُرِ اسْمَ الله، فإنْ نَسي أنْ يَذْكُرَ اسْمَ الله
في أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ الله أوَّلَهُ وَآخِرَهُ».
الأكل باليد اليمنى
على أن الإنسان يأكل بيمينه حتى لا يشابه الشـيطان فقد روي
عن عبد اللّه بن عُمَرَ رضي الله عنه: أَن رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلاَ يَشـربَنَّ
بِهَا، فإِنَّ الشـيطَانَ يَأْكُلُ بِشِمالِهِ وَيَشـربُ بِهَا». قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ
يَزِيدُ فِيهَا: «وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا وَلاَ يَعْطِي بِهَا».
غسل اليدين قبل الطعام
ليتفادى ما قد يكون عليهما من
الأوساخ، ولأنه أنفى للفقر، لما رواه الترمذي وأبو داود من حديث سلمان قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده".
الاعتدال والتوسط في الأكل
قال تعالى: .. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ {الأعراف: 31}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه،
بحسب ابن ادم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
الأكل مما يلي
لما سبق من حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه وفيه قول النبي صلى الله
عليه وسلم: «وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ», لأنَّ أكله من موضع يد صاحبه سوء عشـرة، وترك مروءة، فقد يتقذره صاحبه
الذي يأكل معه من نفس الطبق, فالأدب أن لا يأكل الإنسان من وسط الطبق.
أخذ اللقمة الساقطة، وإماطة ما بها من أذى، وأكلها
فمن السُّنَّة أنه إذا وقعت اللقمة على سفرة الطعام، أو غيرها أن يأخذها،
ويميط ما يعلق بها من أذى، ثم ليأكلها فإن في هذا تطبيق للسُّنَّة، ودحر للشـيطان الذي
يحرص على مشاركة منْ يأكل، ولو بلقمة ساقطة منه, فقد
روي عن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الشـيطَانَ يَحْضـر أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شـيءٍ
مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضـرهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ
اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَىً، ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا، وَلاَ يَدَعْهَا
لِلشـيطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي
أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ».
لعق الأصابع
ولعقها -أي لحسها بطرف اللسان-، فالسُّنَّة أن يلعقها، أو يُلعِقْها غيره
كزوجته مثلاً، بل السُّنَّة ألَّا يمسح ما يعلق بيده بمنديل، ونحوه حتى يلعقها, فقد ورد في الصحيحين من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى
الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا،
أَوْ يُلْعِقَهَا».
سَلْتُ القَصْعَة
والمقصود مِن سَلْتِ القَصْعَة: تنظيف الآكل حافته من الطعام، فمثلاً:
من يأكل أرزاً، فإن السُّنَّة ألّا يُبْقِي شـيئاً في حافته التي يأكل منها، فيمسح
ما بقي في حافته، ويأكله، فقد تكون البركة في هذا المتبقي, ويدلّ عليه: حديث أنس رضي الله عنه قال: «وَأَمَرَنَا -أيّ النَّبيّ صلى
الله عليه وسلم أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ» رواه مسلم.
الأكل بثلاث أصابع
والسُّنَّة أن يأكل بثلاث أصابع، وهذا فيما يُحمل بثلاث أصابع كالتمر
مثلاً, ويدلّ عليه: حديث كَعْبِ بْنِ مالك رضي
الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ،
وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا».
التنفس خارج الإناء ثلاثاً
من السُّنَّةِ شـرب الإناءِ على ثلاث دفعات، والتّنفس بعد كل واحدة, ويدلّ عليه: حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشـرابِ ثَلاَثاً، وَيَقُولُ: «إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَبْرَأُ،
وَأَمْرَأ».
حمد الله تعالى بعد الطعام
ويدلّ على هذه السنة: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللّه لَيَرْضـى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ
فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشـربَ الشـربَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا».
الاجتماع على الطعام
من السُّنَّة الاجتماع على الطعام، وعدم التفرُّق فيه, ويدلّ عليه: حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه يقول: سِمِعْتُ رَسُولَ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ
الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ»,
و هو يدل على بركة الطعام عند الأكل في جماعة.
مدح الطعام إذا أعجبه
و الامتناع عن عيبه
مِن السُّنَّة: مدح الطعام إذا أعجبه، ولا شكّ أنه لا يمدحه إلا بما فيه, ويدلّ عليه: حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ،
فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: «نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ. نِعْمَ
الأُدُمُ الْخَلُّ», و في الصحيحين من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: «مَا عَابَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ».
الدعاء لصاحب الطعام
ويدلّ عليه: حديث عبد اللّه بن بُسـر رضي الله عنه قال: «نَزَلَ رَسُولُ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي، قَالَ: فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً وَوَطْبَةً،
فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ، وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ
إِصْبَعَيْهِ، وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ أُتِيَ بِشـرابٍ فَشـربَهُ،
ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ فَقَالَ أَبِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ
دَابَّتِهِ: ادْعُ اللّهَ لَنَا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ،
وَاغْفِرْ لَهُمْ، وَارْحَمْهُمْ».
حضور
الوليمة و لو صائما
ومِن السُّنَّة حتى وإن كان صائماً أن يحضر الوليمة، ويدعو لصاحب الطعام،
ولو لم يأكل, و يدلّ عليه: حديث أبي هُرَيْرَة رضي الله
عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ،
فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ» [40]، ومعنى
(فَلْيُصَلِّ): أي فليدع لهم؛ لأنَّ الصلاة لغة: الدعاء.
ا ستحباب أن يسقي الشارب مَن على يمينه قبل
يساره
والمقصود: أنه إذا شرب فمن السُّنَّة أن يعطي مَن على يمينه قبل شماله, ويدلّ عليه: حديث أَنَسِ بن مالك رضي الله عنه قال: «أَتَانَا رَسُولُ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِنَا، فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً، ثُمَّ
شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِي هَـذِهِ، قَالَ: فَأَعْطَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم، فَشـربَ رَسُولُ اللّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ وِجَاهَهُ،
وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ مِنْ شـربِهِ، قَالَ
عُمَرُ: هَـذَا أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللّهِ يُرِيهِ إيَّاهُ، فَأَعْطَى رَسُولُ
اللّهِ الأَعْرَابِيَّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم: «الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ»، قَالَ أَنَسٌ رضي
الله عنه: «فَهْيَ سُنَّةٌ، فَهْيَ سُنَّةٌ، فَهْيَ سُنَّة».
ساقي القوم آخرهم شـرباً
يُسن لمن يسقي جماعة أن يكون آخرهم شـرباً, ويدلّ عليه: حديث أبي قتادة رضي الله عنه الطويل، وفيه: قال: «... فَجَعَلَ
رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ، حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي،
وَغَيْرُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: «اشـربْ»، فَقُلْتُ: لاَ أَشـربُ حَتَّى تَشـربَ يَا رَسُولَ
اللّهِ، قَالَ: «إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شـرباً»، قَالَ: فَشـربْتُ وَشـربَ
رَسُولُ اللّهِ...».
تغطية الإناء، وذكر اسم الله تعالى عند قدوم الليل
يُسَنُّ تغطية الإناء المكشوف عند قدوم الليل، وإيكاء السقاء - أي: إغلاقه-
إن كان له غلقاً، وذكر اسم الله عند ذلك, ويدلّ عليه: حديث جابر بْنِ عبد اللّه رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإنَّ
فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ
غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ الْوَبَاءِ»[46]،
وعند البخاري من حديث جابرٍ رضي الله عنه أيضاً: «وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا
عَلَيْهَا شـيئًا».
مما نُهي عنه في الطعام والشـراب
الأكل والشـرب في آنية الذهب والفضة، وأكل كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب
من الطير، والشـرب قائماً لغير حاجة، والتنفس في الإناء، والأكل متكئاً، والأكل بالشمال،
والقِران بين التمرتين، والشـرب من فم السِّقاء، أو القربة لغير حاجة (وذلك إذا كان
مشتركاً، وأمَّا إن كان خاصاً به، فلا بأس إن عُلمت نظافتها)، والإكثار من الطعام
و الإسراف فيه، والصَّلاة بحضـرة الطعام إذا كان يشتهيه.
هذه أداب
سيد الخلق عليه الصلاة و السلام في الطعام و الشراب, آدابٌ فيها حفظ الصحة و الرقي
الاجتماعي و الأخلاقي و فيها الطاعة و الشكر لله و سدُّ أبواب الشيطان, فالعجب ممن
يدعي أن المسلمين ليس لهم حظ في " الإتيكيت".
و
الحمدلله رب العالمين
المراجع
فتح الباري –
صحيح مسلم – صحيح البخاري - المنح العلية في بيان السنن اليومية للدكتور عبدالله
الفريح – سنن الترمذي