بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على نبينا محمد النبي
الأمي الكريم و على آله و أصحابه و من سار على نهجهم إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه و تعالى مخاطباً رسوله عليه الصلاة و السلام: وَإِنَّكَ
لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم 4), فلما سأل سعيد بن هشام عائشة عن خُلُق رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإن خُلُق
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
في هذا إشارات بالغة و واضحة لأهمية الأخلاق في ديننا الحنيف و أنّ
كتاب الله هو مصدر أساسي لأخلاق المسلمين, و بالتالي هي أقرب للأوامر و النواهي
الربانية قبل أن تكون من المكارم الاجتماعية
في الإسلام, و كذلك إشارة إلى و جوب ارتباط هذه الأخلاق في سلوك المسلم و حياته اليومية
اقتداءً برسول الله عليه الصلاة و السلام.
لذلك, سنتنتاول الأخلاق و أهميتها و ثمراتها الطيبة في الدنيا و
الآخرة مطولاً من خلال سلسلة دروس عن الأخلاق المحمودة و المذمومة واحداً تلو
الآخر إن شاء الله تعالى , و نبدأ اليوم هذه السلسلة بالحديث عن التعاون.
التعاون اصطلاحا و لغة
العون هو الظَّهير على الأمر، وأعانه على الشَّيء: ساعده، واستعان فلانٌ
فلانًا وبه: طلب منه العون, أما التَّعاون اصطلاحاً فهو المساعدة على الحقِّ ابتغاء
الأجر مِن الله سبحانه.
التعاون في القرآن و السنة النبوية
قال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
(سورة العصر), أي: لانجاة إلا بالإيمان و
العمل الصالح و من ثم التواصي بالحق ، و هو أن يوصي الإنسان أخاه بالخير و المعروف، ويحثُّه
عليه، ويرغِّبه فيه, من هنا يكون التَّواصي بالحقِّ هو أساس التَّعاون المطلوب و
هو التعاون على البرِّ والتَّقوى الذي ذكره الله
تعالى بقوله : وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ
عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[المائدة: 2], فلا تعاون محمود شرعا ، إلا ما كان على الخير وما ينفع الناس.
و من الملاحظ أنَّ نصوص الشَّريعة جاءت بالخطاب الجماعي في مرّاتٍ كثيرة
، فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ )وردت (89) مرَّة، وقوله: ( أَيُّهَا
النَّاسُ ) وردت عشرين مرَّة، وقوله: ( بَنِي آدَمَ ) خمس مرَّات، و ذلك دلالة على أهمية الاجتماع
والتَّعاون والتَّكامل
أما السنة النبوية ، فهي تزخر بالترغيب على الخلق الكريم بين الناس ، وقد حثَّ النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم على التَّعاون ودعا إليه، فقال: ((مَن كان معه فضل ظهر، فليعد به
على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضلٌ مِن زاد فليعد به على مَن لا زاد له )).
وشبَّه المؤمنين في اتِّحادهم وتعاونهم بالجسد الواحد، فقال: ((مثل المؤمنين
في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد
بالسَّهر والحمَّى
)), وقال صلى الله عليه وسلم:
((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا )), وقال: ((يد الله مع الجماعة )),
وحثَّ على معونة الخدم ومساعدتهم، فقال: ((ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم
فأعينوهم
)), وعن ابن عمر رضي الله عنه،
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه،
ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّ ج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه
كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة )) و هذه كلها
صور من وصايا النبي الكريم في التعاون و التكافل بين المسلمين.
و لعل ما يلفت النظر في الحث على التعاون عند النبي عليه الصلاة و السلام ، أن التعاون ليس مجرد فعل أخلاقي فطري في أخلاق الكرام و إنما هو فعل
قوة للمجتمع المرصوص, و نظام تكافل اقتصادي للمجتمع المكتفي , بل و هو عمل شرعي له من الأجر و الثواب ماله في الدنيا و
الآخرة .
أهمية التعاون
لقد جعل الله سبحانه وتعالى التَّعاون فطرة في المخلوقات، جبلها في جميع
مخلوقاته, صغيرها وكبيرها، ذكرها وأنثاها، إنسها وجنِّها، فلا يمكن لأيِّ مخلوق أن
يواجه كلَّ أعباء الحياة ومتاعبها منفردًا, لا من حيث الوقت و لا من جهة القدرة
الجسدية و العقلية و المادية، بل لابدَّ أن يحتاج إلى مَن يعاونه ويساعده؛ لذلك فالتَّعاون
ضرورة مِن ضرورات الحياة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، فبالتَّعاون يُنْجز العمل
بأقصر وقت وأقلِّ جهد، ونصل إلى الغرض بسرعة وإتقان و تتحقق
الأهداف العظيمة التي لا مناص من العمل الجماعي لتحقيقها.
فوائد التعاون
فوائد و ثمرات التعاون عديدة و أقل ما يكون فيها:
على الصعيد الشرعي
سبب نيل تأييد الله
سبب نيل محبَّة الله ورضاه
على الصعيد الاقتصادي
استفادة كلِّ فرد مِن خبرات وتجارب الآخرين في شتى مناحي الحياة
تنظيم الوقت وتوفير الجهد و المال
إتقان العمل
سهولة إنجاز الأعمال الكبيرة التي لا يقدر عليها الأفراد
التعاون هو أهم ركائز النَّجاح والتَّفوُّق الاقتصادي
يسرِّع مِن عجلة التَّطوُّر العلمي والتَّقدُّم التَّقني
على
الصعيد الاجتماعي
تعزيز الأخوَّة الإسلاميَّة
إظهار القوَّة والتَّماسك
حماية للفرد
سهولة التَّصدِّي لأي أخطار تواجه الإنسان ممَّن حوله
يزيل الضَّغائن والحقد والحسد مِن القلوب
على الصعيد
النفسي
يجعل التعاون الفرد يشعر بالسَّعادة
القضاء على الأنانية وحبِّ الذَّات
يولد سلامة الصدر ويكسب حبَّ الخير للآخرين
يولِّد عند الفرد الشُّعور بالقوَّة
و نختم بهذه القصة المشهورة, فقد رُوِي أنَّ أكثم بن صيفي دعا أولاده عند موته، فاستدعى
بضمامة مِن السِّهام، وتقدَّم إلى كلِّ واحدٍ أن يكسرها، فلم يقدر أحدٌ على كسرها،
ثمَّ بدَّدها وتقدَّم إليهم أن يكسروها، فاستهلوا كسرها، فقال: كونوا مجتمعين؛ ليعجز
مَن ناوأكم عن كسركم, كما رويت هذه القصة كذلك عن المهلب بن أبي صفرة ناصحا أولاده
فقال:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً و
إذا افترقن تكسرت آحادا
و الحمدلله رب العالمين
المراجع
تاج العروس للزبيدي – صحيح سنن الترمذي للألباني – صحيح مسلم – صحيح البخاري
- صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم لحسين المهدي – موسوعة الأخلاق موقع الدرر
السنية