بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و
المرسلين و آله و أصحابه الطيبين.
يسافر الناس لأسباب عديدة, فمنهم من يطلب الحج أو العمرة أو التجارة و العمل , و آخر يريد الاستشفاء و
الدواء, و بعض الناس يطلبون العلم و
المعرفة في البلاد, و البعض الآخر يطلب الاستجمام والراحة من متاعب الحياة ومشاغلها
في حلال, و آخرون يرومون الوقوف على عجائب
البلاد التي يزورنها و الاطلاع على جميل صنع الله و بدائع خلقه و تأمل آياته في
الآفاق, و كل هذا مشروع في الإسلام.
قال الله تعالى : {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} ( الذاريات:20)
و قال : { هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن
رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } الملك (15).
و قد علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم آدابا و قواعد و ضوابط و أذكار للسفر, يلتزم بها المسلم في سفره درءاً لكل خطر قد يعتريه و صرفاً للشرور المحدقة,
و توسماً للخير الذي يطلبه و توفيقا في
أمره بإذن الله, و من هذه الآداب و القواعد ما يكون قبل السفر و منها ما يكون خلاله أو
بعده, و هذه بعض منها:
الاستخارة عند العزم على السفر: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلّم
أصحابه الاستخارة في الأسفار بل في شؤون الحياة كلّها ، كما جاء في حديث جابر رضي الله
عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما
يعلمنا السورة من القرآن " رواه البخاري .
كتابة الوصية : ينبغي للمسلم عموماً وللمسافر خصوصاً
أن يكتب ويدوّن وصية إذا كان له شيء يوصي به. وينبغي أن يقضي ويسدد ديونه.
عدم السفر منفرداً: من وصايا النبي
– صلى الله عليه وسلم –، اختيار الرفقة الصالحة ، والسفر مع الجماعة ، والنهي عن الوحدة
، حمايةً من الأخطار المحتملة ، ووقاية من كيد الشيطان ووسواسه ، فقد جاء في الحديث
الصحيح : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليلٍ وحده ) رواه البخاري.
تجهيز
المركبة و إعداد العدة: و ذلك من الأخذ بأسباب التوفيق في السفر من طعام كاف و مؤونة, و التأكد من سلامة المركبة و جهوزيتها قياسا على
البهائم في زمن رسول الله فقد قال: { اتقوا الله في
هذه البهائم، فاركبوها صالحة.. } الحديث [أبو داود].
الإمارة
: من سنن النبوة الإمارة في السفر باختيار
من يتولّى شؤون الرحلة ويحدّد مسيرتها ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر
أصحابه إذا ارتحلوا أن يجعلوا عليهم أميراً، حتى يكون رأيهم واحداً، ولا يقع بينهم
الاختلاف، وكل ذلك حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على لزوم الجماعة وتجنب أسباب الفرقة.
السفر
يوم الخميس: وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم
– أيضاً السفر يوم الخميس في أول النهار، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال :
" لقلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس
" رواه البخاري ، ويكون خروجه أوّل النهار ووقت البكور لفضله وبركته ، كما قال
– صلى الله عليه وسلم - : ( بورك لأمتي في
بكورها ) رواه الطبراني .
الدعاء و
الأذكار: كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – جملة من الأذكار والأدعية التي يقولها المسافر ،
وتكون بإذن الله سبباً في حفظه وتوفيقه ، منها أن يقول إذا ركب على دابته، واستقر عليها
: ( الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون،
ثم يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك
إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه أبو داود ثم يقول: ( اللهم
إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا
، واطْوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ
بك من وَعْثَاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل ) رواه مسلم.
ومما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - من الأذكار أثناء المسير التكبير
عند الصعود والتسبيح عند الهبوط ، ففي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - صلى الله
عليه وسلم - ، قال: ( كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا ) رواه البخاري.
الاستعاذة
من شر المكان و سؤال خيره: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا
دخل قرية أو شارف على دخولها، قال:- ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين
السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه
القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها ) رواه النسائي .
الدعاء و الصلاة عند العودة : فإذا عاد المسافر إلى وطنه ، ورجع إلى أهله، دعا بنحو ما دعا به عند خروجه
، ويزيد عليه قوله : ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) رواه البخاري , وعند عودة النبي
– صلى الله عليه وسلم – إلى دياره كان يبتديء بزيارة المسجد والصلاة فيه ، ثم يتلقّاه
الناس بالغلمان حتى يحضنهم ويقبّلهم.
التخفيف
في السفر: إذا كان السفر قطعة من العذاب -كما صحّ
بذلك الحديث – فقد جاءت الشريعة بالتخفيف في
الأحكام والترخيص في العبادات ، من ذلك قصر الصلاة الرباعية ركعتين والجمع بين الصلاتين
، والفطر إذا شق الصوم، والمسح على الخفين مدة ثلاث أيام بلياليهن ، ولم يحفظ عنه
- صلى الله عليه وسلم - أنه صلّى في أسفاره
السنن الرواتب، إلا سنة الفجر والوتر، فإنه لم يكن يدعهما في حضر ولا سفر.
ومن جملة التخفيفات التي حفلت بها السنّة : إباحة الصلاة على الراحلة
للمسافر في النفل دون الفريضة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان النبي
- صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به ، يومئ إيماء ، صلاة
الليل إلا الفرائض ، ويوتر على راحلته " رواه البخاري .
النهي عن
زيارة مواقع العذاب و اصطحاب الكلاب و الأجراس : وجاء النهي أيضاً عن المرور على المواضع
التي نزل فيها العذاب إلا أن يكون ذلك على سبيل الاتعاظ والاعتبار ، فعندما مر النبي
- صلى الله عليه وسلم - بحجر ثمود قال لأصحابه : ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم
؛ أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين ) ثم قنّع رأسه – أي غطّاه - وأسرع السير
حتى أجاز الوادي ، متفق عليه .
وقد نهى – صلى الله عليه وسلم- عن أمورٍ في السفر، مثل اصطحاب الكلب والجرس
، وفي هذا جاء قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس
) رواه مسلم .
النهي عن
سفر المرأة دون محرم: أن لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم, فقد روى البخاري ومسلم أن أبا هريرة
رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم) .
التعجل في العودة من السفر: فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – المسافر أن يتعجّل في العودة
إلى أهله بعد قضاء حاجته من السفر فقال : (السَّفَر قِطْعَةٌ منَ العَذَابِ، يَمْنعُ
أحَدَكم طَعَامه وشَرابه ونومه، فَإِذَا قَضى نهمَتَه، فَلْيُعَجِّلْ إلى أهلِه. الراوي
: أبو هريرة) متفق عليه , و من السنة ألَّا يطْرُق أهلَه ليلًا إذا قَدمَ إلا
إذا أخبرهم بذلك.
و الحمدلله رب العالمين
المراجع
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني – مسند أبوداوود –
صحيح البخاري - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي – صحيح الجامع للألباني – موقع
إسلام وب بتصرف.