بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيد بني آدم و آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
تعريف الطب النبوي
الطب النبوي يراد به الأحاديث و الأعمال الصحيحة الثابتة التي ذكر فيها
النبي صلى الله عليه وسلم أو قام أو وصّى بما يتعلق بالصحة وأسباب الوقاية من الأمراض
و علاجها بالأدوية الشرعية والطبيعية.
كالأحاديث التي فيها إخبارعن منافع وخصائص بعض المواد مثل قوله صلى الله
عليه وسلم : "عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء". متفق
عليه.
أو كان متضمنا وصفات داوى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كقوله
عليه الصلاة و السلام في العسل:
جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: إنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقالَ رَسولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقالَ: إنِّي
سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ له ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،
ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقالَ: اسْقِهِ عَسَلًا فَقالَ: لقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ
يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَ
اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ فَسَقَاهُ فَبَرَأَ) أخرجه البخاري و مسلم.
أو أعمال دعا إلى التداوي بها مثل قوله صلى الله عليه و سلم: " داووا مرضاكم بالصدقة " حسنه الألباني
لرواية أبي داوود.
كما أنه يتضمن هديه صلى الله عليه وسلم في كل ما تعلق بصحة الإنسان في
أحوال حياته من مأكل ومشرب ومسكن نكاح و غيره... كسنته في السواك و
الحجامة.
وقد عُني المحدثون بجمع هذه الأحاديث وأدرجوها في مصنفاتهم، كما فعل مالك
رحمه الله في موطئه في كتاب "العين"، والبخاري في صحيحه في كتاب "الطب"
و
غيرها.
الطب النبوي وحي أم تجربة
أما الزعم بأن الطب النبوي صدر من النبي صلى
الله عليه وسلم بمقتضى التجربة، لا بالوحي فهو زعم لا يصح, وذلك من وجوه عدة:
-
الأصل فيما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال: أنها وحي وتشريع
وحق؛ لقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
(النجم 3-4).
-
النبي صلى الله عليه وسلم، قد يجتهد أو يقول بظنه، كما في قصة تأبير النخل
أو أسارى بدر، لكنه لا يُقَر على خطأ. فأقواله : إما أن تكون وحياً ابتداءً، وإما أن تكون
اجتهاداً صحيحاً أُقر عليه، أو خطأً نُبّه إلى صوابه ، فيحفظ لنا هذا التنبيه .
-
في أحاديث الطب النبوي ما لا يمكن أن يكون اجتهاداً، لما فيه من نسبة
الأمر إلى الله ، أو الإخبار بشيء من الغيب, مثل كون الكمأة من "المن" الذي
نزل على بني إسرائيل، وكون "العجوة" من الجنة، وغير ذلك.
-
النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن طبيبا، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم
من تَطبَّب ولم يكن طبيبا، وجعله ضامنا، فكيف يجزم بأنواع الأدوية، ويقول: إن كذا شفاء
من كذا، إلا أن يكون بوحي من الله؟
قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ
تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ) رواه أبو داود ( 4586 ) والنسائي
( 4830 ) ، وابن ماجه ( 3466 ) ، وحسَّنه الألباني
فلو أخبر صلى الله عليه وسلم بأن كذا دواء لكذا، دون أن يوحى إليه بذلك،
لكن متطبباً ، وهو عليه الصلاة والسلام، لم يُعرف منه طب، وحاشاه صلى الله عليه وسلم
أن يكون كذلك.
الطب النبوي و الشعوذة
هنا يتوجب علينا التنبيه من الأحاديث الموضوعة و
المكذوبة التي تنسب إلى رسول الله
عليه الصلاة و السلام, تحت شعار الطب
النبوي, و هي ترّهات يستخدمها المشعوذون و الدجالون لأكل أموال الناس بالباطل
مستغلين حاجتهم إلى الدواء و الشفاء.
و بالمقابل فقد ثبت بالتجربة عند الأطباء الموثوقين
مصداقية ما ثبتت نسبته إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالطب.
الطب
النبوي ليس دعوة إلى ترك العلم و طلب أسباب الشفاء
كما
أسلفنا, إن رسول الله عليه الصلاة و السلام ليس طبيباً و إنما جاء إلينا بالرسالة المحمدية و شرائع الدين الحنيف, و نحن لا نقول
أن القرآن كتاب في الطب و إنما هو كتاب في كل شيء فيه الشفاء و غير الشفاء, و لكن
النبي لم يدع إلى إلى ترك العلم و الأخذ بأسباب الشفاء, سواء التي وردت في القرآن الكريم و السنة
المؤكدة أو التي أثبتتها تجارب العلماء و دراساتهم.
قال رسول الله: (تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء،
غير داء واحد الهرم.) قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في صحيحه,
وأخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما
أنزل الله عز وجل داء، إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله. )) أخرجه ابن
حبان في صحيحه..
إن الأخذ بأسباب الطب الحديث أمر طبيعي من قبل المسلم, بل هو واجب
مأمور به. فالتحاليل الطبية و الصور و التشخيص العلمي للأمراض كلها من أسباب الشفاء
التي أنعم الله على الإنسان باكتشافها و تسخيرها في سبيل إسعاد البشر و لكن الاعتقاد
أن هذه الأسباب شافية بذاتها فهذا لايجوز و إنما الشفاء بيد الله المعافي وحده,
فكم من داء عضال لم ينفع الدواء فيه, و كم من مرض و أذى صرفه الله حتى قبل أن نشعر
به و هو اللطيف الخبير.
فالبحث عن العلاج عند الأطباء المختصين مطلوب، وهو ـ بعد التوكل على الله
والاعتقاد الجازم بأن الشافي هو الله ـ من قبيل الأخذ بالأسباب.
الرقية الشرعية في الطب النبوي
الرُقية أوالتداوي بالأدعية النبوية وآياتٍ وسورٍ من القرآن الكريم هو
وسيلة من وسائل العلاج التي فعلها وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلها أسباباً
شرعية صحيحة نافعة بإذن الله تعالى في شتى الأمراض الجسدية و النفسية, عن أبي خُزامة
رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: (أرأيت رُقىً نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة
نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي من قدر
الله) رواه أحمد وحسنه الألباني.
ويُنصح بالجمع بين الرقية و بين العلاج بالدواء, فالرقية قد يجعلها الله
عز وجل سبباً للشفاء، كما يمكن أن يكون العلاج بالدواء بفضل الله ومشيئته سبباً كذلك
للشفاء.
وقد ذكر العلماء لجواز الرُقى ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى،
أو بأسمائه وصفاته، أو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكون باللسان العربي،
أو بما يُعرف معناه من غيره لمن لا يُحسن العربية، وأن يُعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها،
بل بتقدير الله تعالى, و لنا مقال في تفصيل الرقية الشرعية إن شاء الله.
يا أيها الناس, قال الله تعالى : وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ
ٱلۡعِقَابِ (الحشر 7).
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات
أعمالنا. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار و الحمدلله رب العالمين.
المراجع
صحيح
البخاري – صحيح مسلم – سنن أبي داوود – سنن ابن ماجه – سنن النسائي – صحيح ابن
حبان – مسند أحمد – موقع الإسلام سؤال و جواب