بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و
السلام على محمد النبي الأمي الكريم و على آله و أصحابه أجمعين
إن الربا كبيرة من الكبائر, و قد حرمه
الله سبحانه و تعالى لكثير من الحكم البالغة الأهمية, فالتعامل بالربا يحمل على حبِّ
الذات، والتكالب على جمع الأموال وتحصيلها من غير الطرق المشروعة، وفيه أخذٌ لأموال الآخرين بغير عوض و هو يؤدي إلى
تضخم الأموال وزيادتها على حساب سلب أموال الفقراء، ويعوّد المرابي الكسل والخمول،
والابتعاد عن الاشتغال بالمكاسب المباحة النافعة, و فيه قطع للمعروف بين الناس، وسد
لباب القرض الحسن، وتحكمٌ لطبقةٍ من المرابين بأموال الأمة واقتصاد البلاد.
تَعريفُ الرِّبا لُغةً واصْطلاحًا
الرِّبا لُغةً: الزِّيادةُ، يُقالُ للشَّيءِ:
رَبا يَرْبو؛ إذا زادَ، ومنه أُخِذَ الرِّبا الحَرامُ، والرَّابيةُ: ما ارتفَعَ منَ
الأرْضِ، وكذا الرَّبْوةُ؛ بضَمِّ الرَّاءِ وفَتْحِها وكَسْرِها.
الرِّبا شَرعًا: الزِّيادةُ الحاصلةُ بمُبادَلةِ
الرِّبويِّ بجِنسِه، أو تأْخيرِ القَبضِ فيما يجِبُ فيه التَّقابُضُ منَ الرِّبَويَّاتِ،
أو هو زِيادةٌ في أشْياءَ مَخْصوصةٍ.
أنْواعُ الرِّبا
رِبا الفَضلِ: وهو الزِّيادةُ في أحَدِ العِوَضَينِ
في النَّوعِ الواحِدِ مُتَّحِدِ الجِنسِ، كالذَّهبِ بالذَّهبِ ((كأنْ يَبيعَ قيراطا
من ذهبٍ بقيراط ونصفٍ منَ الذَّهبِ)).
رِبا النَّسيئةِ: وهو الزِّيادةُ في أحَدِ
العِوَضَينِ مع تأْخيرُ القَبضِ فيما يَجْري فيه الرِّبا: كأنْ يَبيعَ صاعًا منَ البُرِّ
بصاعٍ منَ الأُرزِ أوِ الشَّعيرِ، معَ تأْخيرِ القَبضِ عن مجلِسِ العقدِ.
كل أنواع الربا التي فصلها الفقهاء و
الاقتصاديون تندرج تحت مسمى واحد و هو الربا الذي ذكره الله في كتابه العزيز.
حُكمُ الرِّبا
يَحرُمُ الرِّبا بجَميعِ أنْواعِه، قَليلُه
وكَثيرُه, قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] و عن جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال:
((لعَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبا، ومُؤْكِلَه، وكاتِبَه،
وشاهِدَيْه، وقال: هُم سَواءٌ )) أخرَجه مسلمٌ (1598). و هو محرم بإجماع علماء
الأمة.
و من هنا لا يجوز العمل بالربا لا
تسليفا و لا استلافا و لا شهادة و لا توكيلا و لا كتابةً.
عقوبة الربا
قال السَّرَخْسي: (ذكَرَ اللهُ تعالى لآكِلِ
الرِّبا خمسًا منَ العقوباتِ: أحدُها: التخبُّطُ؛ قال اللهُ تعالى: لَا يَقُومُونَ
إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:
275] . والثَّاني: المحْقُ؛ قال اللهُ تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:
276] . والثَّالثُ: الحربُ؛ قال اللهُ تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ [البقرة: 279] . والرَّابعُ: الكفرُ؛ قال اللهُ تعالى: وَذَرُوا
مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278] ، وقال تعالى:
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة: من الآية: 276]، أي:
كَفَّارٌ باستِحلالِ الرِّبا، أثيمٌ فاجرٌ بأكْلِ الرِّبا. والخامسُ: الخلودُ في النارِ؛
قال اللهُ تعالى: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
[البقرة: 275].)
وأما آكل الربا فليس له حد في الشرع , وإنما
عقوبته التعزير , والتعزير عقوبة يخولها الشرع للحاكم وفق ما يحقق مصلحة درء المفاسد
لا وفق هواه .
اسأل الله العظيم أن يصرف عن أمة الإسلام شرور الربا و أن يكفينا بحلاله عن حرامه و أن يغنينا بفضله عمن سواه و الحمدلله رب العالمين
المراجع
((تهذيب اللغة)) للأزهري ((الصِّحاح)) للجوهري,
((منتهى الإرادات)) لابن النجَّار ((المغني))
لابن قُدامة , ((الشرح الكبير على متن المقنع)), ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي,
((نيل الأوطار)), ((المبسوط للسرخسي)), ((الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة , المكتبة
الشاملة الحديثة)).