بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى آله
وصحبه أجمعين .
تعريف أشراط الساعة و وجوب الإيمان بها
مَعنَى الأشراطِ لغةً العَلاماتُ، وواحِدُ الأشراطِ: شَرَطٌ , أما الأشراطُ
في الاصطِلاحِ: هيَ العَلاماتُ الَّتي تَسبِقُ يَومَ القيامةِ، وتَدُلُّ على قُدومِها,
ومِمَّا يَدُلُّ على تَسميةِ هَذِه الأشراطِ بالعَلاماتِ ما جاءَ في حَديثِ جِبريلَ
عليه السَّلامُ؛ حَيثُ قال: ((يا مُحَمَّدُ، أخْبِرْني مَتَى السَّاعةُ؟ قال: فنَكَّسَ،
فلَم يُجِبْه شَيئًا، ثُمَّ أعادَ فلَم يُجِبْه شَيئًا، ثُمَّ أعادَ فلَم يُجِبْه شَيئًا،
ورَفعَ رأسَه فقال: ما المَسؤولُ عَنها بأعلَمَ مِنَ السَّائِلِ، ولَكِنْ لَها عَلاماتٌ
تُعرَفُ بها ...)) أخرجه النسائي.
قال اللهُ تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
[محمد: 18].
و عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ قال:
يا رَسولَ الله، مَتَى السَّاعةُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما المَسئولُ
عَنها بأعلَمَ مِنَ السَّائِلِ، ولَكِن سأحَدِّثُكَ عَن أشراطِها؛ إذا وَلَدَتِ المَرأةُ
رَبَّتَها، فذاكَ مِن أشراطِها، وإذا كانَ الحُفَاةُ العُراةُ رُءوسَ النَّاسِ، فذاكَ
مِن أشراطِها)).
إذن الإيمان بأشراط الساعة التي بلغنا عنها رسول الله عليه الصلاة و
السلام و بالآيات المستقبلية عنها واجب شرعاً.
أهَمِّيَّةُ مَعرِفةِ عَلاماتِ السَّاعةِ
إنَّه مِن رَحمةِ الله تَبارَكَ وتعالى أنْ أطلَعَ عِبادَه على ما سَيَقَعُ
بينَ يَدَيِ السَّاعةِ مِن أمورٍ وأحوالٍ وأهوالٍ هيَ بمَثابةِ عَلاماتٍ تَدُلُّنا
على قُربِ وُقوعِ السَّاعةِ, وفي ذلك تَحذيرٌ مِنَ اللهِ تعالى لِعِبادِه عَنِ الغَفلةِ
و مواطن الزلل و السقوط في كل زمن، وحَثٌ لَهم على المُبادَرةِ إلَى التَّوبةِ وعَمَلِ
الصَّالِحاتِ، وبشارةٌ وتَثبيتٌ لِلمُؤمِنينَ و فيها تعزيز لمعاني الإيمان بمدى مصداقية
رسالة محمد عليه الصلاة والسلام, و هي تقودنا إلى أن الإيمان بيوم القيامة أصل من أصول
الإيمان ولا يتم إلا به.
ومِمَّا يَدُلُّ على أهَمِّيَّتِه كذلك اعتِبارُه عِلمًا قائِمًا بذاتِه حَتَّى
في عَدَدٍ مِنَ الأديانِ والمَذاهبِ مِمَّا اصطُلِحَ على تَسميَتِه بعِلمِ آخِرِ الزَّمانِ
(ESCHATOLOGY)؛
إذ يُتَعَرَّضُ فيه لِلأحداثِ النِّهائيَّةِ لِلتَّاريخِ، ومَصيرِ البَشَرِ في نِهايةِ
العالَمِ.
و لكن يجب ألا يدفعنا هذا العلم إلى الكسل و القعود مترقبين علامات
الساعة و متناسين أن الإعداد لها و هو الأهم و الأدعى, عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-
أنَّ أَعْرَابِيًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مَتَى السَّاعَة؟ قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قال: حُبُّ الله ورَسُولِه، قال: «أَنْتَ
مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».صحيح- متفق عليه.
و قد علمنا رسول الله : (إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)
رواه أحمد, فإنما المطلوب هو العمل مع قصر الأمل و عدم الركون إلى الدنيا و
الاجتهاد في إصلاح النفس و طلب الآخرة.
علامات الساعة
لقد قسم العلماء أشراط الساعة إلى كبرى و صغرى أما
الكبرى فهي شأن إلهي محْض، فلَيس لِأحَد يَدٌ فيها،
كما أنّ تسميَتَها في الأحاديثِ النَّبَويَّة بالآيات يُشعِرُ بكونها خارقةً للعادة
وغيرَ معهودةٍ لَدَى البَش, بينما إذا أعملنا الفكر في العَلامات الصغرى لوجدنا أنَّ بَعضها أحداث كَونيَّةٌ، كآية انشقاق القَمَر،
وبعضها تَغَيُّراتٌ لِأحوالٍ بَشَريَّةٍ طَرأت وحَدَثَتْ مِن قِبَلِ البَشَرِ أنفُسِهم.
بل إن أكثَر العَلامات الصغرى مُتَعَلِّقٌ بتَبَدُّل أحوال البَشر وانحِلال
أخلاقهم وفساد شُؤونِهم في مُختَلِف جَوانِب الحَياة، كَكَثرة الزِّنَا؛ وانعكاس المفاهيم
وانقِلاب الحقائِق، كتخوين الأمين، وتسويد الأمر لِغَير أهلِه.
العلامات الصغرى
و منها ما وقع و انقضى و
منها ما وقع و لايزال مستمرا و نراه من حولنا و منها لما يقع بعد, و هي كثيرة, و
أهمها:
بَعثةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم , مَوتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم, انشِقاقُ القَمَرِ , طاعونُ عَمْواس, نارُ الحِجازِ
الَّتي أضاءَت أعناقَ الإبلِ ببُصرَى, خُروجُ الدَّجَّالينَ أدعياءِ النُّبوَّةِ, ظُهورُ
الفتَنِ, تَعظيمُ النَّاسِ لكِتابٍ غَيرِ كِتابِ الله, ظُهورُ القَلَمِ وفُشُوُّه,
قَبضُ العِلمِ وظُهورُ الجَهْلِ, التِماسُ العِلمِ عِندَ الأصاغِرِ ,
نُقصانُ العَمَلِ, التَّباهي بالمساجِدِ, دُروسُ الإسلامِ ورَفعُ القُرآنِ وفَناءُ
الأخيارِ, عَودةُ البَشَريَّةِ إلى الجاهِليَّةِ وعِبادةِ الأوثانِ, تَوَقُّفُ الجِزيَةِ
والخَراجِ, اتِّباعُ سُنَنِ الأمَمِ الْماضيةِ, ولادَةُ الأمَةِ رَبَّتَها, تَطاوُلُ
الحُفاةِ العُراةِ رُعاةِ الشَّاةِ في البُنيانِ, هَيَمنةُ الأشرارِ وتَحقيرُ الأخيارِ,
إسنادُ الأمرِ إلى غَيرِ أهلِه , استِفاضةُ الْمالِ, تَقارُبُ
الأسواقِ, فُشُوُّ التِّجارةِ حَتَّى تُعينَ الْمَرأةُ زَوجَها على التِّجارةِ, انتِشارُ
الرِّبا, إلقاءُ الشُّحِّ, كثرةُ الكَذِبِ, كثرةُ شَهادةِ الزُّورِ وكِتْمان شَهادةِ
الحَقِّ
, كثرةُ النِّساءِ وقِلَّةُ
الرِّجالِ, ظُهورُ الفُحشِ والتَّفَحُّشِ, فُشُوُّ الزِّنَا وكَثرَتُه, شُربُ الخَمرِ,
كثرةُ الزَّلازِلِ, وُقوعُ التَّناكُرِ بينَ النَّاسِ, سُوءُ الجِوارِ, تَسليمُ الخاصَّةِ
ولا يُسَلِّمُ الرَّجُلُ إلَّا على مَن يَعرِفُ, قَطْعُ الأرحامِ, صِدْقُ رُؤيا الْمُؤمِنِ,
تَقارُبُ الزَّمَنِ, تَكليمُ السِّباعِ والجَمادِ الإنْسَ, انحِسارُ الفُرَاتِ عَن
جَبَلٍ من ذَهَبٍ, إخراجُ الأرضِ كُنوزَها الْمَخبوءةَ, عَودةُ جَزيرةِ العَرَبِ جَناتٍ
وأنهارًا, إحرازُ الجَهْجاهِ الْمُلْكَ, خُروجُ رَجُلٍ من قَحْطانَ يَسوقُ النَّاسَ
بعَصاه, ظُهورُ الْمَهديِّ, الفُتوحاتُ والحُروبُ, هلاكُ قُرَيشٍ.
العلامات الكبرى
و هي عشر علامات أو أيات
كبرى كما جاءت في الأحاديث, عَن حُذَيفةَ بنِ أُسَيدٍ رَضِيَ الله عَنه
قال: ((اطَّلَعَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ،
فَقالَ: ما تَذَاكَرُونَ؟ قالوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قالَ: إنَّهَا لَنْ تَقُومَ
حتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ،
وَطُلُوعَ الشَّمْسِ من مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ
عليه وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ،
وَخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَآخِرُ ذلكَ نَارٌ تَخْرُجُ
مِنَ اليَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهِمْ )) أخرجه مسلم.
و هي غيرمرتبة ترتيبا قطعيا من حيث الوقوع و لكن إذا وقعت إحداها
انفرط عقدها كسلسة متتالية و بشكل متسارع, عَن عَبد اللهِ بن عَمرٍو رَضِيَ الله عَنهما
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الآياتُ خَرَزاتٌ مَنظوماتٌ في سِلكٍ،
فإن يُقطَعِ السِّلكُ يَتبَعْ بعضُها بعضًا)) و هي:
الدخان - ظهور الدجال - و الدابة - و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى
بن مريم- و خروج يأجوج و مأجوج - و الخسوفات الثلاث و النار
التي تحشر الناس.
و في
الختام هذا غيض من فيض, و المطلوب هو أن نشحذ الهمم و أن نعرف أن هذه الدنيا هي دار عمل
و اختبار و ليست دار نعيم و استقرار, بادروا إلى الخيرات و سارعوا في الطاعات عسى
الله أن ينجينا و إياكم, اللهم نسألك العافية.. و الحمدلله رب العالمين
المراجع
مقاييس اللغة لابن فارس – صحيح
سنن النسائي للألباني – صحيح البخاري – صحيح مسلم – الموسوعة العقدية موقع الدرر
السنية – صحيح الجامع للألباني