تعريفُ الكُتُبِ لغةً
الكُتُبُ: جَمعُ كِتابٍ، والكِتابُ مَصْدرُ كَتَب يَكتُبُ، ثمَّ سُمِّيَ
به المكتوبُ، ويُطلَقُ الكِتابُ على المُنَزَّلِ وعلى ما يَكتُبُه الشَّخصُ ويُرسِلُه،
وأصلُ (كتب): يدُلُّ على جَمعِ شَيءٍ إلى شَيءٍ.
تعريفُ الكُتُبِ اصطلاحًا
المرادُ بالكُتُبِ في الاصطِلاحِ: الكُتُبُ والصُّحُفُ التي حوت كلامَ
اللهِ تعالى الذي أوحاه إلى رسُلِه عليهم السَّلامُ، سواءٌ ما ألقاه مكتوبًا كالتوراةِ،
أو أنزله عن طريقِ الملَكِ مُشافهةً فكُتِب بعد ذلك >
و هي عند المسلمين: القرآن الكريم، والإنجيل،
والتوراة، وصحف إبراهيم والزبور.
قال اللهُ تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ
كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ [النساء: 153].
قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ قَولِه تعالى: وَالْكِتَابِ: (هو اسمُ جِنسٍ
يَشمَلُ الكُتُبَ المُنَزَّلةِ من السَّماءِ على الأنبياءِ، حتى خُتِمت بأشرَفِها،
وهو القُرْآنُ المُهيمِنُ على ما قَبْلَه من الكُتُبِ، الذي انتهى إليه كُلُّ خيرٍ،
واشتمل على كُلِّ سعادةٍ في الدُّنيا والآخرةِ، ونسخ اللهُ به كُلَّ ما سواه من الكُتُبِ
قَبْلَه).
حُكمُ الإيمانِ بالكُتُبِ
الإيمانُ بكُتُبِ اللهِ التي أنزلها على رُسُلِه عليهم السَّلامُ ركنٌ
عظيمٌ من أركانِ الإيمانِ، فلا يتحقَّقُ الإيمانُ مِن دُونِه.
قالُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ
مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 136].
فالإيمانُ بالكُتُبِ المُنَزَّلةِ أمرُ متَّفَقٌ على وُجوبِه وكُفرِ تارِكِه.
معنى الإيمانِ بالكُتُبِ
§
الإيمانُ بأنَّها مُنَزَّلةٌ من عند اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنَّها كلامُ
اللهِ تعالى لا كلامُ غَيرِه
§
الإيمانُ بأنَّها دَعَت كُلُّها إلى الحَقِّ وجاءت بالخيرِ والهدى.
§
الإيمانُ بأنَّ كُتُبَ اللهِ يُصَدِّقُ بَعضُها بعضًا فلا تناقُضَ بينها
ولا تعارُضَ
§
وجوبُ اتِّباعِها والعَمَلِ بها والانقيادِ إليها على من نزلت عليهم
§
الإيمانُ بما سَمَّى اللهُ عَزَّ وجَلَّ مِن كُتُبِه على وَجهِ التعيينِ
§
إنَّ الإيمانَ بالكُتُبِ المتقَدِّمةِ على القُرْآنِ يعني الإيمانَ بأصولِها
التي أنزلها اللهُ تعالى، بخلافِ ما يوجَدُ منها الآن في أيدي النَّاسِ؛ لِما وقع فيها
من التحريفِ والتبديلِ.
مواضِعُ الاتِّفاقِ و الاختلاف بين الكُتُبِ المُنَزَّلةِ
مواضع الاتفاق
وَحْدةُ المَصدَرِ: فكلها مُنَزَّلةٌ مِن عِندِ اللهِ تعالى.
وَحدةُ الغايةِ: و هي الدعوة إلى عبادةِ اللهِ وَحْدَه
لا شريكَ له، وإلى دينِ الإسلامِ.
مسائِلُ العقيدةِ: كالإيمانُ باللهِ
ورُسُلِه، والبَعثِ والنُّشورِ، والجَنَّةِ والنَّارِ، وغيرِ ذلك.
القواعِدُ العامَّةُ: كالثَّوابِ والعِقابِ و الحث على تزكية النفس.
العَدْلُ والقِسْطُ,
مُحاربةُ الفَسادِ
والانحِرافِ: سواءٌ كان الفَسادُ عَقَدِيًّا أو خُلُقِيًّا، أو انحرافًا عن الفِطرةِ،
أو عُدوانًا على البَشَرِ، أو تطفيفًا في الكَيلِ والميزانِ، أو غيرَ ذلك
الدَّعوةُ إلى مكارمِ الأخلاقِ: كالعَفْوِ عن المسيءِ، والصَّبرِ على الأذى، والقَولِ الحَسَنِ، وبِرِّ
الوالِدَينِ، والوَفاءِ بالعَهْدِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وإكرامِ الضَّيفِ، والتواضُعِ،
والعَطفِ على المساكينِ، وغيرِ ذلك من مكارمِ الأخلاقِ.
كثيرٌ من العباداتِ: ومن ذلك: الصَّلاةُ،
والزكاةُ، والصِّيامُ، والحَجُّ.
التحذيرُ مِنَ الدَّجَّالِ.
مواضع الاختلاف
تختَلِفُ الكُتُبُ المُنَزَّلةُ فيما بينها في تفاصيلِ بعضِ الشَّرائعِ،
فمثَلًا شريعةُ عيسى تخالِفُ شريعةَ موسى عليهما السَّلامُ في أمورٍ، وشريعةُ مُحَمَّدٍ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تخالِفُ شريعةَ موسى وعيسى عليهما السَّلامُ في أمورٍ .
قال اللهُ تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
[المائدة: 48] .
ومن الأمثِلَةِ على ذلك:
أنَّ اللهَ تعالى أحَلَّ لآدَمَ عليه السَّلامُ تزويجَ بناتِه من
بَنِيه، ثمَّ حَرَّم اللهُ هذا بَعْدَ ذلك, و كذلك حرَّم اللهُ على اليهودِ أُمورًا
ثم جاء عيسى عليه السَّلامُ فأحَلَّ لهم بعضَ ما حُرِّم عليهم.
وقوعُ التحريفِ في الكُتُبِ المتقَدِّمةِ على القُرْآنِ
تكفَّل اللهُ عزَّ وجلَّ بحِفظِ كِتابِه العزيزِ، أمَّا ما سبقه من الكُتُبِ
فقد استحفَظَها جَلَّ جلالُه الرَّبَّانيِّينَ والأحبارَ، فلم تَسلَمْ من التحريفِ
والتغييرِ والتبديلِ.
قال اللهُ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ
[المائدة: 44] .
أما القرآن فقد فتعهَّد اللهُ بحِفْظِه فلم يجُزِ التبديلُ على أهلِ القُرْآنِ
قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
[الحجر: 9] .
المراجع
((مقاييس اللغة)) لابن فارس، ((البداية والنهاية)) لابن كثير ((أصول الإيمان في
ضوء الكتاب والسنة)) لمجموعة من العلماء. ((الجامع لشعب الإيمان)) للبيهقي, ((تفسير
ابن كثير)), ((تفسير السعدي)), (تفسير البغوي)), ((تفسير ابن عاشور)) ((ترتيب المدارك)) لعياض. موقع الدرر السنية (https://dorar.net/.(