بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى آله
وصحبه أجمعين .
كثير من الناس يبحث ويجتهد في طلب الرزق وزيادته ويطلب العون والفتح من
الله تعالى , و منهم من ضاقت به الحياة وكثرت همومه وديونه، وزادت عليه الأعباء و
التكاليف بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وقلة الموارد, فاشتدت الأزمات عليه وعلى أهله وأولاده ، و أخذ يبحث ويسأل
عن كيفية العمل لزيادة مدخوله وكفايته وعائلته.
التوبة
عن المعاصي و تقوى الله
إن أبواب الخير كثيرة ومتشعبة ومتعددة, ولكن لنرى السبب في قتار الرزق وقلة اليد قبل أن نبحث في أسباب
زيادته و البركة فيه.
إن من أول أسباب قلة الرزق وضيق المعيشة على المسلم كثرة المعاصي المتراكمة
بعضها فوق بعض، والتي لا يتبعها توبة وندم واستغفار وعودة إلى الله تعالى, و نذكر منها نوعين خطيرين, أولها: - وهو ما يفعله أكثر الناس - ترك ما أمر الله به من طاعات، وأهمّها الصلاة
، فترك الصلاة ذنب عظيم ، والإصرار عليه من الكبائر، قال عليه الصلاة والسلام (بين
الرجل، وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم في الصحيح , إن الالتزام بإقامة الصلاة في أوقاتها هي البداية الصحيحة لاستقامة الحياة
بعدها ، ثم يُنظر في باقي الأمور ذات الصلة
.
و النوع الثاني من هذه المعاصي هو أكل الحرام : حيث أنه يتوجب
على المسلم أن يتحرى المال الحلال, فيسعى جهده لكي يكون كسبه من حلال, لأن استغلال
أوضاع الناس و طيبتهم و حاجاتهم من أجل كسب أموالهم زوراً وبهتاناً بالباطل لابد سيحمل
الخراب والدمار لصاحبه من حيث يدري أو من حيث لا يدري, و ليس قلة الرزق فقط.
شكا أحدهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم إجابة دعائه ، فقال له
عليه الصلاة والسلام ( أطب مطعمك تستجب دعوتك ) رواه الطبراني في (الأوسط).
إذن فعلى من ضاق عليه عيشه وقتر رزقه و قبل أن يبحث، و قبل أن يدعو الله
تعالى, وقبل أن يطلب دعوة مستجابةً أو عملاً يُغدق عليه الرزق فيه ، أن يبادر فيصلح
نفسه وما أفسدته الأيام والأهواء بأن يصل ما انقطع بينه و بين خالقه بالتوبة والإنابة
إليه و التزام الطاعات و الثبات على تقوى الله العظيم، وهذه حقيقة صارمة ولو قيل غير
ذلك .
فإذا فعل المسلم هذين الأمرين من إقامة الصلاة، وطلب المال الحلال من
الطعام والكسب و أقلع عما سواها من المعاصي و تاب إلى الله العلي القدير تبدأ المرحلة
الثانية في السعي لجلب الرزق وهي تتلخص في أسباب عديدة و منها:
كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ
ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)
الأحزاب 56.
وأخرج الترمذي من حديث كعب رضي الله عنه أنه قال : قلت يا رسول الله اني
أكثر من الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : ما شئت ، قال : قلت الربع ؟ قال
: ما شئت فان زدت فهو خير لك . قال : قلت النصف
؟ قال ما شئت فان زدت فهو خير لك . قال : قلت الثلثين ؟ قال ما شئت فان زدت فهو خير
لك . قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال: اذن
تكفى همك ويغفر ذنبك .
وهذا من أفضل الأبواب في السعي للرزق ومقدم على الاستغفار والدعاء ، نظراً
لعظيم البركة فيه ولقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه.
كثرة الاستغفار
ويأتي بعد ذلك كثرة الاستغفار ، فإن كثرة الاستغفار تجلب الرزق الوفير
، وتيسر كل أمر عسير ، وتفك قيد الأسير ، وهو بركة لكل شيء .
بالاستغفار تفتح أبواب الأرزاق
المختلفة ، فذاك نوح نبي الله عليه السلام يدعو قومه و يدلهم ويرشدهم إلى سر في الحياة
عظيم ، فيقول لهم : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ
لِلَّهِ وَقَارًا (13) – سورة نوح
قال عليه الصلاة والسلام : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا
ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أبو داود و ابن ماجه.
الدعاء وطلب الرزق من الله تعالى
مباشرة
ثم بامكان العبد المؤمن بعد ذلك تقوية كل ما تقدم بتعويد لسانه أن يكون
رطبا بكثرة الدعاء والإلحاح على الله تعالى بالطلب ، فيطلب منه ما يشاء، فضلاً عن أن
يطلب منه توسعة رزقه وإغداق النعم عليه.
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة المسجد فوجد أبا أمامة يجلس في
المسجد في غير وقت صلاة ، فسأله ، " يا أبا أمامة ، ما لي أراك جالسا في المسجد
في غير وقت الصلاة ؟ قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم : أفلا أعلمك كلاما اذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك ؟
قال : قلت بلى يا رسول الله ، قال : قل اذا اصبحت واذا أمسيت : (اللهم اني أعوذ بك
من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك
من غلبة الدين وقهر الرجال ), قال : ففعلت ، فأذهب الله همي ، وقضى عني ديني . رواه أبو
داوود.
ومن الأدعية النافعة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى
، ومنزل التوراة والأنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهم
أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ،
وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر .
"
صلة
الرحم
من أسباب بسط الرزق وسَعتِه صلةُ الأرحام؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسَأ له في أثرِه،
فليَصِل رحمَه)) صحيح – متفق عليه، فهذه شهادة على جلب الرزق بهذه الطاعة، وليَحرِص
المسلم على فِعلها وعدم قطعها، حتى وإن لزِم أن يَصبِر على ما يَلقاه من الأذى مِن
ذوي أرحامه.
البكور
يقول النبي عليه الصلاة و السلام: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا).
رواه الترمذي، والبكور: هو الصباح، لأن الأرزاق تقسم وقت الفجر بعد الصلاة وليس وقت
النوم.
وبعد كل هذا، فليس لعبد أن يقول بعد ذلك منعت الفضل والرزق وأصبت بالهم
والقحط وهو مؤمن، إلا أن يكون هنالك مانع جدي آخر, فليقم بالبحث عنه سواء في طاعته
، أو في عمله ، أو في تعامله مع إخوانه، و ليقوّم كل ما اعوج من ذلك وليصلح ما بينه
وبين أهله و ما بينه وبين جيرانه وجماعة المؤمنين قبل أن يذهب الى أهل العلم ليستشيرهم.
وليعلم ، أن ما من دابة في الأرض إلا والله آخذ بناصيتها ويعلم مستقرها
ومستودعها ، فلا رازق إلا هو ، ولا مانع إلا هو ، ولا نافع إلا هو ، ولا ضار إلا هو
، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
المراجع
صحيح
مسلم – الأوسط للطبراني - سنن ابن ماجه – سنن أبي داوود - صحيح ابن
حبان – سنن الترمذي