بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام
على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين
نبدأ معا سلسة من عدة حلقات إن شاء الله عن
الملائكة في العقيدة الإسلامية, نتحدث فيها عما يجب على المؤمن معرفته عن هذه
المخلوقات النورانية التي لا تعصي الله أبدا, مستندين في بحثنا هذا على القرآن
الكريم و سنة خير الناس محمد صلى الله عليه و سلم.
تشمل هذه الحلقات المحاور و المواضيع التالية:
المحور الأول: من هم الملائكة و ما حكم و ما
معنى و ما فائدة الإيمان بهم؟
المحور الثاني: في أسماء و صفات و أعمال
الملائكة
المحور الثالث: دور الملائكة و واجب المؤمن
تجاههم و مسائل عقدية أخرى
تعريف الملائكة لغة
الملائِكةُ: واحِدُها مَلَك، وأصلُه (مَأْلَك)، ثُمَّ خُفِّفَ بحَذفِ
الهَمزةِ، فقيل: مَلَكٌ، وأصلُه مِن المأْلُكَةِ والمَأْلَكَةِ والمَلأَكَةِ، وهي:
الرِّسالةُ، والمَلأَكُ: المَلَكُ؛ سمِّيَ بذلك؛ لأَنه يُبَلِّغُ عن اللهِ عزَّ وجلَّ
ما أُرْسِلَ به إلى مَن شاءَ مِن خَلْقِه. وأصلُ (ألك): يَدُلُّ على تَحَمُّلِ الرِّسَالَةِ.
تعريفُ الملائِكةِ اصطِلاحًا
المَلائِكة في الاصطِلاحِ: خَلقٌ مِن خَلقِ اللهِ تعالى، خلقَهم اللهُ
عَزَّ وجَلَّ من نورٍ، وهم عِبادٌ مُكرَمون، لا يَعْصُون اللهَ ما أمرهم، ويَفعَلون
ما يُؤمَرون، لا يُوصَوفون بالذُّكورةِ ولا بالأُنوثةِ، ولا يأكُلون، ولا يَشْرَبون،
ولا يتناكَحون، ولا يَمَلُّون، ولا يَتْعَبون، ولا يَعلَمُ عَدَدَهم إلَّا اللهُ سُبحانَه،
وقد حجَبَهم اللهُ عَنَّا فلا نراهم، ورُبَّما كشَفَهم لبعضِ عِبادِه، وهم قادِرون
على التشَكُّلِ والتمَثُّلِ، ولهم قوًى عظيمةٌ وقُدرةٌ كبيرةٌ على التنَقُّلِ وغَيرِه.
حُكمُ الإيمانِ بالمَلائِكةِ
الإيمانُ بالمَلائِكة ركنٌ من أركانِ الإيمانِ وأصلٌ من أصولِه، لا يصِحُّ
إيمانُ العَبدِ إلَّا به و هو من أسس العقيدة
قال اللهُ تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285]
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:
136] .
و عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم قال لَمَّا سأله جِبريلُ عليه السَّلامُ عن الإيمانِ: ((أن تؤمِنَ باللهِ،
وملائِكَتِه، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليَومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه
))(3) - أخرجه مسلم (8)
ومن أنكَرَ وُجودَ المَلائِكةِ أو عاداهم أو سَبَّهم أو استهزأ بهم؛ فقد
كفَر لأن الكُفْرَ بشَيءٍ من هذه المذكوراتِ
كالكُفْرِ بجَميعِها؛ لتلازُمِها وامتناعِ وُجودِ الإيمانِ ببَعْضِها دونَ بَعضٍ.
معنى الإيمانِ بالمَلائِكةِ
الإيمانُ بالمَلائِكةِ يتضَمَّنُ أربعةَ أُمورٍ:
-
الإيمانُ بوُجودِهم إيمانًا جازمًا لا يتطَرَّقُ إليه شَكٌّ.
-
الإيمانُ بما عَلِمْنا
من أسمائِهم (كجِبريلَ عليه السَّلامُ)، وأمَّا من لم نعلَمْ أسماءَهم فنُؤمِنُ بهم
إجمالًا.
-
الإيمانُ بما عَلِمْنا من صفاتِهم الخِلْقيَّةِ والخُلُقيَّةِ.
-
الإيمانُ بما عَلِمْنا من أعمالِهم
ثمَراتُ الإيمانِ بالمَلائِكةِ
للإيمانِ بالمَلائِكةِ ثَمَراتٌ جَليلةٌ؛ منها:
-
العِلمُ بعَظَمةِ اللهِ تعالى، وقُوَّتِه، وسُلطانِه، فإنَّ عَظَمةَ المخلوقِ
مِن عَظَمةِ الخالِقِ
.
-
شُكرُ اللهِ تعالى على عنايتِه ببني آدَمَ، حيث وكَلَ من المَلائِكةِ
من يقومُ بحِفْظِهم، وكتابةِ أعمالِهم، وغيرِ ذلك من مصالِحِهم .
-
استِشعارُ مُراقَبةِ اللهِ للعَبدِ، وكتابةِ المَلائِكةِ لأعمالِه، وذلك
سَبَبٌ للاجتهادِ في العباداتِ، والبُعدِ عن السَّيِّئاتِ .
-
الاعتبارُ بطاعتِهم المطلقة لله.
-
محبَّةُ المَلائِكةِ على ما قاموا به من عبادةِ اللهِ تعالى .
-
الحِرصُ على ارتيادِ الأماكِنِ التي تحِبُّها المَلائِكةُ؛ كالمساجِدِ
وحِلَقِ العِلمِ
و البقية تأتي إن شاء الله و الحمدلله رب العالمين
المراجع:
((مقاييس
اللغة)) لابن فارس (1/ 132)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (2/ 316)، ((لسان العرب))
لابن منظور (10/ 481)، ((المطلع على ألفاظ المقنع)) للبعلي (ص345)، ((الكليات)) للكفوي
(ص900) ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل (1/497)، ((عمدة القاري)) للعيني
(15/123)، ((لوامع الأنوار البهية)) للسفاريني (1/447)، ((أعلام السنة المنشورة)) لحافظ
الحكمي (ص: 41) ((تفسير السعدي)) (ص: 209).((القول المفيد)) لابن عثيمين (2/410)،
((نبذة في العقيدة)) (ضمن مجموع فتاوى ابن عثيمين) (5/ 116)، ((الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد
والرد على أهل الشرك والإلحاد)) لصالح الفوزان (ص: 167)، ((الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه
عند أهل السنة)) لعبدالله الأثري (ص: 131).