عبرة في قصة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي
الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف(111)
إن من أروع القصص التي ورد ذكرها في القران الكريم، قصة أصحاب الكهف،
فقد أخبرنا الله تعالى تلك القصة ، مبينا فيها العبرة والموعظة الحسنة للمؤمنين ليزدادوا
إيمانا مع إيمانهم وليعلموا أن الله على كل شيء قدير, و فيها دليل مبهر على البعث،
وهي أيضاً دليل على قدرته -جل شأنه- على حماية أوليائه من أي مكروه, و أن للشباب
الدور الكبير في نشر الدعوة والذود عنها.
سبب النزول:
إن قريشا بعثوا إلى اليهود يسألونهم عن أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، ويسألونه عنها ; ليختبروا ما يجيب به فيها ، فقالوا : سلوه عن أقوام
ذهبوا في الدهر فلا يدرى ما صنعوا ، وعن رجل طواف في الأرض وعن الروح . فأنزل الله
تعالى "ويسألونك عن الروح" ( الإسراء) . و "يسألونك
عن ذي القرنين" و "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ
كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" (الكهف)
من هم أصحاب الكهف و ما هي الظروف التاريخية و الدينية؟
ذكر بعض العلماء أنهم كانوا نصارى . والظاهر من السياق أن قومهم كانوا
مشركين يعبدون الأصنام, و قيل أنهم كانوا من
أبناء الأكابر . وقيل : من أبناء الملوك , واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم فرأوا
ما يتعاطاه قومهم ، من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان ، فنظروا بعين البصيرة ، وكشف
الله عن قلوبهم حجاب الغفلة, و شرح صدورهم
للإسلام والإيمان و اعتنقوا الدين راغبين في الله تعالى وخوفا من عقابه وسوء المصير,
و قال كثير من المفسرين والمؤرخين
أنهم عاشوا في مدينة اسمها دفسوس في زمن ملك يقال له : دقيانوس و قيل أن الملك
الظالم كان يتتبع كل من كان يعبد اللهم فيقتله ثم يعلق أشلاءه على أبواب المدينة.
أما عددهم فقد كانت عدتهم ،
فيما ذكر ابن عباس ، سبعة وثامنهم كلبهم.
الفرار إلى الله و اللبث في الكهف
اجتمع هؤلاء الفتية وتحينوا خلوا الأمر لهم فغادروا المدينة على حين
غفلة من الملك وجنوده ، ولجأوا الى كهف خارج المدينة فرارا بدينهم بعد أن تركوا
رغد العيش ووفير الرزق وسعة الدور وراء ظهورهم و لجأوا إلى الله طالبين الرشد في
أمرهم و النجاة.
استلقى الفتية في الكهف و كلبهم
جالس على باب الكهف يحرسه ، ولكن الله تعالى ضرب على آذانهم في الكهف فناموا
واستمر نومهم سنين عددا و هم في حفظ الله
و رعايته.
قال الله تعالى (وَلَبِثُوا
فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) الكهف(25) وقال
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ
الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ
لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) الكهف(18)
ذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ أنه لما سمع الملك دقيانوس
خبرهم خرج في أصحابه يتبعون أثرهم حتى وجدهم قد دخلوا الكهف ، وأمر أصحابه بالدخول
إليهم وإخراجهم . فكلما أراد رجل أن يدخل فأرعب فعاد, فقال بعضهم : أليس لو كنت
ظفرت بهم قتلتهم ؟ قال : بلى . قال : فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعا
وعطشا . ففعل ، فبقوا زمانا بعد زمان
.
العثور على أصحاب الكهف
وشاء الله تعالى بعد كل هذه المدة أن يبعثهم فيستيقظوا ، ويسأل بعضهم
بعضا:
كم لبثتم قالوا
لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى
المدينة أي : بدراهمكم هذه ، يعني التي معهم، فلينظر أيها أزكى طعاما أي : أطيب مالا, فليأتكم برزق منه أي : بطعام تأكلونه ، وهذا
من زهدهم وورعهم وليتلطف أي : في دخوله إليها ولا يشعرن بكم أحدا إنهم
إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا أي : إن عدتم في ملتهم بعد إذ أنقذكم الله منها ; وهذا كله لظنهم أنهم
رقدوا يوما أو بعض يوم أو أكثر من ذلك ، ولم يحسبوا أنهم قد رقدوا أزيد من ثلاثمائة
سنة وقد تبدلت الدول أطوارا عديدة ، وتغيرت البلاد ومن عليها ، وذهب أولئك القرن الذين
كانوا فيهم , ولهذا لما خرج أحدهم ، وهو تيذوسيس فيما قيل ، جاء إلى
المدينة متنكرا ; لئلا يعرفه أحد من قومه.
تعجب أهل القرية من أمره خاصة عندما دفع اليهم تلك العملة القديمة
التي كانت على عهد ذلك الملك - فسألوه عن حاله - ولما تأكدوا أنه أحد الذين شاع
خبرهم وفقدوا من المدينة تحلقوا حوله ، فهب مسرعا الى كهفه الذي تركه ليخبر
رفاقه بما شاهد وعاين ، وبمجرد دخوله عليهم توفاهم الله جميعا - وكان أهل القرية
قد تبعوه ، ولما استبطأوه ، دخلوا عليهم فوجدوهم على حالهم وقد ماتوا جميعا فاختلفوا
في أمرهم ; فقائلون يقولون
: ابنوا عليهم بنيانا أي : سدوا عليهم باب الكهف ; لئلا يصل إليهم ما
يؤذيهم ، وآخرون ، وهم الغالبون على أمرهم قالوا : لنتخذن عليهم مسجدا أي : معبدا
يكون مباركا لمجاورته هؤلاء الصالحين. وأما قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد
الله حق فمعنى ( أعثرنا ) أطلعنا الناس على أمرهم. قال كثير من المفسرين : ليعلم
الناس أن المعاد حق ، وأن الساعة لا ريب فيها.
هذا أمر الله العلي العظيم ، وقدر الله ،وحكمته يريها لعباده، ليعلمهم بأن
الذي بدأ الخلق قادر على أن يعيده ،
وما أمره إذا أراد شيئا إلا أن يقول له كن فيكون وأنه قادر على أن يحي الموتى وأن يبعث
من في القبور وأنه على كل شيء قدير ، فتعالى
الله الملك الحق المبين ,لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة و هو الرحمن الرحيم .
والحمد لله رب العالمين .
المراجع
السيرة لمحمد بن اسحق – الكامل في التاريخ لابن
الأثير – البداية و النهاية لاين كثير