بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام
على أشرف المرسلين و آله و صحبه أجمعين.
إن بطلة قصتنا اليوم هي شخصية فذة و منارة
عالية ومثال خالد في الصبر على البلاء و الرضا بقضاء الله و الإيمان بحكمه و
تدبيره.
السيدة هاجر وهي الزوجة الثانية لنبي الله إبراهيم
عليه السلام ، المؤمنة الصابرة ، المبتلاة في بيتها وفي زوجها وفي ولدها,
أم نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهي الرحم التي أوصى رسول
الله
-صلّى الله عليه وسلّم- بمصر وأهلها لأجلها.
عاشت مع سيدتها سارة وزوجها النبي إبراهيم الخليل
عليه السلام في مصر ، ثم رحلت معهما الى فلسطين ، دعاها نبي الله للايمان بالله ، فآمنت
، وبعد فترة طلبت سارة من نبي الله إبراهيم أن يتزوج من جاريتهما هاجر ، فتزوجها وأنجبا
نبي الله إسماعيل عليه السلام .
الخروج إلى مكة المكرمة
وجاء الأمر الإلهي بأن يرحل نبي الله
ابراهيم عليه السلام بها مع ابنها الى أرض لا زرع فيها و هي مكة المكرمة .
(قَالَتْ لَه: آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا)
سؤال نستشف منه متانة العقيدة التي تكنها هذه
المرأة العظيمة ، إنها في وسط جبال لا زرع فيها ولا ماء ، صحراء قاحلة ، يتركها زوجها مع ولدها الرضيع, ولم يكن مع هاجر من الطعام
إلا قليل من التمر وكانت تحمل معها وكاء فيه ماء.
وما هو إلا قليل وقت حتى ينفد منها الماء، فتلوى
وليدها من العطش وتمرغ في الأرض فصعدت الصفا
ثم استقبلت الوادي فسعت سعي الخائف الباحث ثم أتت المروة، فعلت ذلك سبع مرات ... كل
ذلك وقلبها مطئمن برب لن يضيعها حتى جاءت ملائكة الرحمن تشق زمزم، فانفجرت عينا نضاخة
، فهرولت نحوها وهي تحمد الله على نعمته وجعلت تغرف من مائها وتقول لتلك العين الجديدة
( زمي زمي) فسميت بماء زمزم .
نشير هنا الى أن المسؤولية صارت بيد هاجر لتقوم
بدور الأم والأب معا ، فكانت نموذجا فريداً لأم أدت هذا الدور الكبير وما يحمله من
المعاني .
أم الذبيح
ثم رأينا كيف أن نداء الايمان عند السيدة هاجر أعظم في قلبها من نداء
الأمومة ، فنرى هاجر الأم تقبل بأمر الله وتقدمه على أمرها ، إنها ترى زوجها
نبي الله إبراهيم عليه السلام يأخذ بيد ولدها الوحيد ليذبحه فلم تعترض على ذلك ولو
بكلمة, بل كانت راضية بأمر الله وقدره ، وجاءها الشيطان ليخرجها عن تقواها ، لكنها
رجمته بسبع حصيات واستعاذت بالله منه ، وكذلك فعل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ،
فكان رمي الجمرات في الحج ...
وجاءت بركة الطاعة لله تعالى ، فما هي إلا برهة ودخل عليها زوجها النبي الكريم يبشرها بالبشرى
ويريها الكبش مذبوحا بدلا عن ولدها إسماعيل وفداءا عنه .
رفع الله البلاء ، وفدى ابنهما بذبح عظيم.
قال الله تعالى (فَلَمَّا أَسْلَمَا
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ - وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ - قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا
ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ
- وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الصافات 103-107
لقد كانت أمنا هاجر من أعظم المدارس في التضحية
وقوة الإيمان والتسليم لأمر الله تعالى ، عاشت حياة قصيرة ، ولكنها مفعمة بالدروس والعبر
، فكانت حياتها كلها ابتلاء وشدة وتضحية .
و كان من نتائج هذه التضحية العظيمة أعطيات
كثيرة وخير وفير ، أولها خروج إسماعيل عليه السلام نبياً ورسولًا – و كان خاتمتها و خيرها
ولادة خير الأنبياء وخاتم المرسلين محمد صلى
الله عليه وسلم .
و الحمدلله رب العالمين
المراجع
صحيح الجامع – الألباني,
صحيح البخاري - ابن كثير، قصص الأنبياء