بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله و صحبه
أجمعين
قبل الحديث عن تربية الأولاد لا بد لنا من النظر إلى الزواج في
الإسلام من ثلاث نواح بارزة:.
أولا - الزواج فطرة إنسانية ، فالشريعة الإسلامية حاربت الرهبانية لكونها
تتصادم مع فطرة الانسان وتتعارض مع ميوله وغرائز, جاء .في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
: (إن الله أبدلنا بالرهبانية – الحنيفية السمحة ) رواه البيهقي .
كما روى الطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كان موسرًا لأن ينكح ثم لم
ينكح فليس مني).
و قال الله تعالى: (فِطْرَتَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم(30).
فالزواج في الإسلام فطرة إنسانية ليحمل المسلم في نفسه أمانة المسؤولية
الكبرى تجاه من له حق عليه في التربية والرعاية .
ثانياً – للزواج في الإسلام مصالح اجتماعية غاية في الأهمية : منها استمرار
النسل الإنساني - والتكاثر – الى أن يرث الله
الأرض ومن عليها – قال تعالى: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا
وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل (72).
وبالزواج محافظة على النسب الذي يفتخر به الأبناء ، مما يقود لاستقرارهم
النفسي واعتبارهم الذاتي – ولو لم يكن ذلك الزواج
- لكان المجتمع يعج بأولاد لا أنساب لهم ، وفي ذلك انتشار للفساد وطعنة للأخلاق .
وبالزواج : يسلم المجتمع من الانحلال
الخلقي ، وضياع الأنساب ، فغريزة الانسان حين تشبع بالزواج تتحلى الأمة بأحلى الآداب
وأحسن الأخلاق ، و يبتعد المجتمع عن الأمراض السارية التي تنتشر نتيجة للزنا والفاحشة.
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج،
ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ) صحيح متفق عليه.
وبالزواج تنمو روح المودة والرحمة والألفة بين الزوجين، ويجد كل واحد
منهما في ظل الآخر سكنه النفسي وسعادته الزوجية
قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم(21).
وبالزواج يتعاون الزوجان على
بناء الأسرة وتحمل المسؤولية
....
فكل منهما يكمل عمل الآخر ،، ليصلا الى أفضل النتائج في إعداد أولاد صالحين
وتربية جيل مؤمن يحمل في قلبه الإيمان ، وفي نفسه روح الإسلام .
ثالثاً- الزواج انتقاء واختيار، على أساس الدين, أي الالتزام الكامل
بمناهج الشريعة عند الزوجين، لذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام بأن يظفر المسلم بذات
الدين لتقوم بواجبها الأكمل في أداء حق الزوج وحق الأبناء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تنكح
المرأة لأربع – لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه
البخاري ومسلم .
وبالمقابل أرشد النبي عليه الصلاة والسلام أولياء المخطوبة أن يبحثوا
عن الخاطب ذي الدين والخلق ليقوم بالواجب الكامل في رعاية الأسرة ، وأداء الحقوق الزوجية
وتربية الأبناء .
و من ثم تكون القوامة الصحيحة في الغيرة على الشرف والإنفاق، روى الترمذي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا
تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ). رواه الترمذي.
و قد حض الإسلام على اختيار الزوج و الزوجة على أساس الأصل والشرف – أن
يكون شريك الحياة من أسرة عرفت بالصلاح والخلق ، روى ابن ماجة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قوله : ( تخيروا لنطفكم فان العرق دساس ).
لقد أثبت علم الوراثة أن الطفل يكتسب صفات أبويه الخلقية والجسمية والعقلية
منذ الولادة
, فإذ اجتمع في الولد عامل
الوراثة الصالحة ، وعامل التربية الفاضلة ، يصل الولد الى القمة في الدين والأخلاق .
ومن توجيهات الإسلام في الزواج – تفضيل المرأة الغريبة على النساء ذوات
النسب والقرابة ، حرصا على نجابة الولد وسلامة جسمه من الأمراض الوراثية .
إذن – فتربية الأولاد في الإسلام يجب أن تبدأ بزواج مثالي يقوم على مباديء ثابتة لها
أفضل الأثر في التربية ، وفي إعداد الجيل لتكوين وبناء مجتمع فاضل ....
و الحمدلله رب العالمين