بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على
محمد و آله و أصحابه الطاهرين.
نواصل عرضنا للأخلاق الحميدة في الإسلام, و موضوع
هذه الحلقة هو مفهومٌ و مبدأٌ و منهجٌ جامعٌ و شاملٌ للعديد من العبادات و الأعمال
الصالحة, ألا و هو البِرّ.
البِرُّ في اللغة
هو الصِّدق والطَّاعة والخير والفضل فيقالُ عبدٌ بارّ أي صالحٌ مطيعٌ لربه, وبَرَّ
في يمينه إذا صدَّقه ولم يحنث, وبَرَّ رحمه إذا وصله, والبَـرُّ هو الصَّادق أو التقي
وهو خلاف الفاجر أو العاقّ.
أما في الاصطلاح فالبِرُّ هو التوسُّع في فعل الخير, و الحرص في
تزكية النفس, و المبالغة في الإحسان و إسداء المعروف, و الزيادة في الفضل, و تقوية
الصلة الطيبة مع الله و عباده.
البِرّ في القرآن الكريم و السنة النبوية
قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ
عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[المائدة: 2]
هذا أمر من الله بالتعاون و هو فعل جماعي بالتزام البر من إيثار حق
الله سبحانه و تعالى و الاتصاف بجميل الخصال الخيرة و حسن النصيحة و العمل.
و قال تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ
وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
و في هذه الآية صور من البر يذكرها الرحمن لنهتمّ بها و نلتزمها
كالإيمان الصادق و فعل الصدقات و التزام الصلاة و الزكاة و الوفاء بالعهد و الصبر
عند المحن.
و أما في السنة النبوية فقد روي عن الـنَّـوَّاسِ بن سمعانَ رضي الله
عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ والإثم، فقال: ((البِرُّ حسن
الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه النَّاس )) رواه مسلم, و يمكن
لنا من هذا الحديث معرفة المعنى العميق للبر و هو حسن الخلق, و حسن الخلق يشمل كل صفات المؤمنين من
الرفق و البذل و الإنصاف و الصدق و غيرها.
وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا
يزيد في العمر إلَّا البِرُّ)) رواه ابن ماجة, فإمَّا لأنَّ البارَّ ينتفع بعمره وإن
قلَّ، أكثرُ ممَّا ينتفع به غيره وإن كثر، وإما لأنَّه يُزاد له في العمر حقيقة، بمعنى
أنَّه لو لم يكن بارًّا لقصر عمره عن القدر الذي كان إذا بَرَّ.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ. وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة))
رواه البخاري و مسلم, فالصدق يأخذك إلى
البر و نهاية البر طريق الجنة.
فوائد و ثمرات البر
البر موصل إلى الجنة و هو سبب في زيادة العمر أو البركة فيه و تحقيق
السعادة في الدارين, و البر سبيل لنيل محبة الناس و انتشار الألفة بينهم, و لا تخفى
فائدته النفسية العظيمة, فهو سبيل لاستقرار النفس و اطمئنانها.
من صور البر - بر الوالدين
البِرُّ لفظةٌ تعمُّ جميع أعمال الإحسان، وتشمل كلَّ خصال الخير، وعلى
هذا فللبر أشكال وصور كثيرة، لكنْ أبرز صور البِرِّ والإحسان هو بر الوالدين.
قال الله تعالى مثنيًا على نبيه عيسى عليه
السلام: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [مريم: 32]
وقال عن نبيه يحيى عليه السلام: وَبَرًّا
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم: 14]
وقرن بر الوالدين بتوحيده فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت النبي صلى الله عليه
وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل
الله )) فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله.
ولا يقتصر بر الوالدين على حال حياتهما، بل يمتد أيضًا إلى ما بعد مماتهما،
ففي الحديث ((عن أبي أُسَيْد مالك بن ربيعة السَّاعدي قال: بينا نحن عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذْ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بِرِّ
أبوي شيء أبرُّهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصَّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ
عهدهما من بعدهما، وصلة الرَّحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)) رواه
أبو داوود و أحمد و الطبراني..
و ختاما قال الشاعر البربري : إنَّ التُّقى خيرُ زادٍ أنت حاملُهُ......
والبِرُّ أفضلُ شيءٍ ناله بشرُ..... جعلنا
الله و إياكم من الصديقين و الأبرار و الحمدلله رب العالمين.
المراجع
لسان العرب لابن منظور – صيد الأفكار للمهدي – شرح الأربعين النووية
لابن دقيق العيد – الحاشية للسندي – صحيح البخاري – صحيح مسلم - سنن أبو داوود – موسوعة الأخلاق موقع الدرر
السنية