بسم الله الرحمن و الرحيم و الصلاة و السلام
على نبينا محمد و آله و أصحابه الطاهرين.
يكثر الكلام في حجية الأحاديث, و تردنا أسئلة كثيرة من قبيل : "هل نأخذ و نعمل
بالحديث الضعيف أو المعلول أم بالمتواتر و
الصحيح و الحسن فقط و نحو ذلك ؟"
بصورة عامة ، الحديث في التعريف الأصولي يطلق عليه السنة - وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي المتفق عليها
عند جميع الأئمة وهي : الكتاب والسنة والإجماع والقياس - لذلك يأخذ
قوته من حيث الحجية بعد القرآن.
عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن أناس من أهل حمص من أصحاب
معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن
قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله، قال فإن لم تجد في كتاب
الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فإن لم تجد في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو؟ فضرب رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم صدره وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي
رسول الله. -
وهذا حديث ضعيف من حيث السند رغم شهرته عند أهل الحديث
وعلى ألسنة الفقهاء والأصوليين، فقد رواه الإمام أحمد في المسند وأصحاب السنن وغيرهم
بألفاظ مختلفة ومتقاربة، لكنه ضعفه كثير منهم.
نبذة عن علم الحديث
معلوم أن هنالك علم لمصطلحات الحديث, والذي يبين المتن والسند لكل حديث نبوي . أما المتن
فهو نص الحديث _ والسند و هو علم رجال الحديث
, وقد كثر فيه الكلام
كثيراً واختلف فيه كذلك العلماء ورواة الحديث اختلافاً واسعاً .
فمن الحديث ماهو متواتر, والمتواتر هو ما رواه جمع غفير عن جمع غفير من
الناس لا يُمكن اتّفاقهم و لا تواطؤهم على الكذب و هناك الحديث الآحاد و هو الحديث الذي لم يجمع شروط
الحديث المتواتر. و الآحاد هو إما مشهور أو عزيز أو غريب حسب عدد رواته, و يقسم
الآحاد من حيث قوته و ضعفه إلى مقبول
و مردود و هو الذي لم تنطبق عليه شروط القبول, و كذلك تم
تصنيف المقبول إلى الصحيح : إذا انطبقت عليه
أعلى شروط القبول والحسن : إذا انطبقت عليه
أدنى شروط القبول.
أما المردود فيصنف في تصنيفات فرعية أخرى كالضعيف : وهو ما أخل بشرط
من شروط القبول, وكالموضوع : و هو إذا كان في إسناده كذاب أو متهم
بالكذب, و المرسل وهو الحديث الذي سقط من سنده الصحابي و هو من أنواع
الحديث الضعيف.
وفي أحيان كثيرة أيضاً تستعمل مصطلحات مرادفة ، فيقال عن حديث ضعيف إنه
حديث باطل ، لا سيما إذا اشتد ضعفه ، أو يقولون إسناده تالف ، أو يسمون الحديث الموضوع
بالمكذوب و المنكر ، ونحو ذلك.
و أما إذا نظرنا إلى من ينسب
إليه الحديث ، فقد قسموه إلى : المرفوع : إذا كان الحديث من كلام النبي صلى الله عليه
وسلم ,
و الموقوف : إذا كان الحديث من كلام الصحابي و المقطوع : إذا كان الحديث من كلام التابعي .
و هنا نجد أنفسنا أما م علم أصول الحديث و هو في الأصل والأساس علم
متكامل مبني على قواعد عقلية ، ومبادئ
منهجية ، وأصول تجريبية ؛ توصَّل إليها المحدثون بحكم الخبرة المنهجية المتراكمة
في نقل الأخبار وتحري صدقها وثبوتها ، واهتدوا إلى أسس هذا العلم بالممارسة
الطويلة، ومعاناة السماع والأداء والنقد والتعليل ، والبناء شيئا فشيئا لقواعد
العلم وضوابطه و منها:
-
تغليظ تحريم الكذب في الحديث .
-
عدم قبول خبر الفاسق.
-
اشتراط عدالة الراوي قياسا على عدالة الشاهد
-
التثبت والتحري الدائمان.
-
الحذر من مناكير الأخبار
-
التوقي عن رواية المكذوب
-
الحذر من التهمة بكثرة الغرائب وعدم انتقاء الحديث
-
طلب الدليل والبرهان
-
التفتيش عن العلم واليقين، بعيداً عن الظن والوهم.
و هكذا كانت هنالك أحاديث صحيحة
السند والمتن على شرط الإمام البخاري - الذي اشترط في الراوي المعاصرة والرؤية _ ثم
مسلم - الذي اشترط المعاصرة فقط - فكان صحيح البخاري أقوى حجة من صحيح مسلم.
و كان هنالك من كتبَ في علم الحديث, وجمع منه وغرف فيه غرفا كبيراً خوفاً على ضياع السنة,
وحصرالأحاديث في أسانيد مدروسة بعد شطب المكرر
منها في صحيح البخاري ومسلم ، فكانت روايات الدارقطني
- والنسائي - وابن ماجة - والترمذي - وأبو دواد – و سنن الدارمي , ثم جمع هنالك موطأ
الامام مالك - ومسند أحمد - ومناقب الامام أبي حنيفة.
طبعا ليست كل ما ورد في هذه الكتب أحاديث
صحيحة ، وذلك لوجود الكثير من الضعيف والمرسل ونحوه - ولكن بالإجمال - يُعرض الحديث
بسنده أولا - فالقياس عليه – ثم المتن من خلال النظر فيه ورؤية ما إذا كان فيه شُذوذٌ
أو علّةٌ تقدح بصحّته, كأن يكون ضعيف اللفظ لأن يكون كلاماً
صادراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو يعارض شيئا يجب معرفته من الدين بالضرورة
, أو كأن يغير حكما ثابتاً قوياً , فإذا فقد
في الحديث شروط السند و المتن لم ينظر اليه .
الأخذ
بحديث ضعيف
إن الأئمة الفقهاء - أخذوا من
كتاب الله تعالى, ثم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام
الفقهية و الأقوال في المسائل كافة, وهم إذ يتحرزون أن يأخذوا بالدليل
الأقوى - والأقوى هنا هو كتاب الله ولكن إذا لم
يأت فيه تفصيل كل شيء, جاءت السنة موضحة وشارحة ومبينة لمجمل ما في كتاب
الله – و
من هنا أخذ الفقهاء في بناء الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن من السنة ، و
ذلك اعتماداً على قول الله تعالى "وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الحشر، الآية 7).
إذن فالفقهاء يفضلون التريث والبحث الجاد في سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد إذ عجزوا عن إتيان حكم المسألة في كتاب الله , عملا بالأخذ بالأقوى دليلا
- ومقدماً على الإجماع ومن ثم القياس .
فإذا أخذ الفقيه بحديث متواتر أو آحاد فهو واجب الأخذ به قبلاً, و إن أخذ من حديث مرسل أو موقوف و نحوه ، كان آخذاً
لحديث ضعيف - ولكنه يُفضّل أن يقف عنده ويحتج به عن أن يتركه لينزل درجة في الأصول
التشريعية - إلى الإجماع لأن السنة أقوى - معتمداً على عدة شروط كأن يكون للحديث ما يعضده و يقويه من طريق حديث آخر جاء في
نفس معناه أو أكثر _ أو قواه بعمل الصحابة أو عمل أهل المدينة - أو قول غيره من العلماء
فيقوى الاحتجاج بهذا الحديث على هذه الحال ، ويكون الاحتجاج به صحيحا.
من الأحاديث الضعيفة التي احتج بها الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه القهقهة
في الصلاة :( ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعا) - مع أن القياس فيه
لا تبطل الصلاة - فهو ثبت عند أبي حنيفة ولم يثبت عند غيره كالشافعية و غيرهم فلم يعملوا
به .
وهنا يدخل أن بعض الأحاديث التي ثبتت أو سمعها إمام أو محدث أو فقيه في
أرض ما وفي زمن ما - قد لا يسمعها غيره أو يبلغه ذلك الحديث - فإن كان الحديث ناسخاً, أخذ به من بلغه - ولكن لا يلزم من لم يبلغه إذا نظر في متنه أو سنده فوجد فيه ضعفاً .
خلاصة القول: إن كل المذاهب أخذت بالأحاديث الضعيفة ولكن ضمن الشروط التي
ذكرناها آنفا .
و قد اختلف الفقهاء في العمل
بالحديث الضعيف فمنهم من أهمل العمل به، ومنهم من أخذه في فضائل الأعمال، ومنهم من
أخذ به مطلقا في الأحكام والفضائل, ومن العلماء من أخذ به إلاّ إذا كان الراوي مجروحا
بكذب أو غفلة أو مجهول الحال, ومنهم من أخذ به على شروط و منها: أن يكون الضعف غير
شديد، وأن يكون له أصل يندرج تحته، وأن يكون العمل به في المواعظ والقصص والترغيب والترهيب دون الحلال والحرام.،
ولا يعمل به في الأحكام أو صفات الله عند الجمهور، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته،
بل يعتقد الاحتياط و غير ذلك.
و بالتالي: النتيجة هي جواز الأخذ
به ما دام موافقاً لعمل الراوي وقوّاه غيره من حديث أو عمل صحابي أو قياس أو عمل أهل
المدينة ونحوه أو استوفى الشروط الآنفة
الذكر، ولا يشترط أن يكون ذلك حجة لإمام على
غيره من الأئمة ، لأن لكل حجته بما يراها قد تكون أقوى من حجة هذا الفقيه أو ذاك و
الله أعلم و الحمدلله رب العالمين.